في قلب نظام العدالة المصري، وخلال عقود من الزمن، أمضى المحامي بهاء الدين أبو شقة حياته المهنية في كشف النقاب عن حقائق مذهلة، حقائق غالبًا ما كانت تختبئ وراء الظاهر، وتتجاوز مجرد الخيال. لم تكن القضايا التي واجهها مجرد نزاعات قانونية، بل كانت قصصًا إنسانية عميقة، تكشف عن أغرب جوانب النفس البشرية، حيث كانت الحقيقة غالبًا ما تكون أبعد ما تكون عن الاعترافات الأولية أو الأدلة السطحية. كان الكتاب، "أغرب القضايا"، بمثابة رسالة لمن يعمل في الحقل الجنائي، تؤكد أن الحقيقة غالبًا ما تكون مدفونة، وأن الوصول إليها يتطلب بحثًا دقيقًا وتحليلاً عميقًا. تذكر إحدى تلك القضايا الغريبة، قصة شاب يدعى عمر، الذي جاء اعترافه الصريح بأنه قتل جدته، التي ربته وعوضته عن فقدان والديه، بهدف الاستيلاء على مالها. كان المشهد مأساويًا: جدة تبكي وتتوسل للمحامي لإنقاذ حفيدها المدان، وعمر الشاب يتحدث بكل هدوء عن جريمته. لكن التحقيقات لم تتوقف عند هذا الاعتراف المريح. كشفت الملاحظات القضائية والفحص الطبي الشرعي عن تناقضات صارخة: الجثة لم يكن بها علامات غرق، بل إصابات ضرب شديدة بالرأس، ورغم ذلك لم يكن هناك ماء في الرئتين. والأغرب، أن سن الضحية لم يتطابق مع ما ورد في المحضر، وسن عمر الفعلي كان يجعله قاصرًا وقت الجريمة. هذا التناقض كشف أن اعتراف عمر كان كذبًا، وأن الجدة كانت لا تزال على قيد الحياة عند وقوع الإصابات. في النهاية، تم تبرئة عمر، الذي كان اعترافه مجرد وهم أو محاولة للتستر على شيء آخر، وتغيرت حياته تمامًا، ليصبح طبيباً ناجحاً يخدم المجتمع، ويرعى جدته بحب ووفاء حتى وفاتها. وفي قضية أخرى تُعرف بقضية "الأفعى والثعبان"، جاء رجل في منتصف العمر معترفًا بقتل زوجته ودفنها في منزله بدافع الشرف، زاعمًا أنها كانت تخونه. كانت أدلة اعترافه قوية، وذكر تفاصيل دقيقة. لكن البحث المعمق كشف أن الجثة التي ادعى قتلها لم تكن لزوجته، بل كانت لطفلة تبلغ من العمر حوالي سبع سنوات، وأن الإصابات التي وجدت عليها كانت بالضرب وليس بالطعن أو الغرق، وكل ذلك يتناقض مع اعتراف المتهم. والمفاجأة الكبرى كانت عندما حضرت "الزوجة المقتولة" نفسها إلى قاعة المحكمة، كاشفة عن كذب زوجها وإدعاءاته الكاذبة. تبين أن الزوج كان قد خطط للتخلص من زوجته بطريقة معقدة، مدعيًا خيانتها، لكن الحقيقة كانت عكس ذلك: الزوج هو من أراد التخلص من زوجته ليستولي على أموالها أو ليتزوج أخرى. في هذه القضية، كان الاعتراف كاذبًا، والوهم هو الذي قاد المتهم إلى فخ، وتمت تبرئة الزوجة، بينما حُكم على الزوج بالسجن لخمس سنوات في جريمة أخرى. ثم كانت هناك قضية "العقرب والضفدع"، حيث اعترفت طبيبة بقتل ابنة زوجها بتسميمها، انتقامًا من سوء معاملة زوجها وإجباره لها على القيام بأشياء بشعة. لكن الأدلة العلمية، ممثلة في تقرير الطب الشرعي، كشفت أن الطفلة توفيت نتيجة ضربة قوية في الرأس، وليس بسبب السم. والأكثر غرابة، أن الجثة كانت لطفل ذكر، وليس أنثى، وأن وفاتها كانت قبل تلقيها الإصابات. اتضح أن الزوج هو القاتل الحقيقي لطفله، وقد أجبر الطبيبة على الاعتراف بالسم لتغطية جريمته. تم تبرئة الطبيبة، وكشف الستار عن خداع الزوج وقسوته. في قضية أخرى عُرفت بـ "صراع مع الوهم"، كانت البطلة فتاة جميلة رفضت العديد من العرسان بحثًا عن "فارس أحلامها" الثري. تزوجت أخيرًا من رجل غني، لكنه فقد ثروته وأصيب بالمرض. ثم وقعت في حب مهندس شاب فقير، واعترفت له بأنها قتلت زوجها العجوز بالسم في كعكة عيد ميلاده. لكن التحقيقات كشفت أن الزوج مات بجرعة زائدة من الهيروين، وليس بسمها، وأن المهندس الشاب كان في الحقيقة تاجر مخدرات، استغلها للحصول على المال ودبر مقتل الزوج. كانت جريمتها مجرد "وهم" في خيالها، بينما كان المهندس هو القاتل الحقيقي. هذه القصص، وغيرها الكثير في الكتاب، أكدت للمحامي أبو شقة أن الحقيقة ليست دائمًا كما تبدو، وأن البحث العميق، والتحليل العلمي، وفهم النفس البشرية هو مفتاح العدالة الحقيقية. فكم من اعتراف كاذب قاد إلى اتهامات ظالمة، وكم من ظن باطل أخفى وراءه حقيقة مؤلمة. في كل مرة، كان الطب الشرعي والأدلة المادية، إلى جانب الفهم العميق للدوافع البشرية، هي الأدوات التي كشفت الستار عن الحقيقة. الكتاب بأكمله يشدد على أن العدالة الحقيقية غالبًا ما تتطلب الغوص أعمق من السطح، وتحدي الافتراضات، والنظر خلف الستار، لأن "أغرب القضايا" هي تلك التي يظن الناس أنهم يعرفون حقيقتها، بينما الحقيقة الكاملة مختلفة تمامًا. وهكذا، يستمر المحامي في سعيه نحو الحقيقة، مؤمناً بأن العدالة لا تتحقق إلا بكشف كل ملابسات القضية، مهما بدت غريبة أو معقدة. أتمنى أن يكون هذا الملخص الشامل في هيئة قصة قصيرة قد نال إعجابك وعزز فهمك لمحتوى الكتاب ومفهومه الأساسي.