في قديم الزمان، كانت هناك مجموعة من "الأسئلة الكبرى" حول مفهوم "التنمية". كانت هذه الأسئلة تدرك أن التنمية ليست مجرد كلمة بسيطة، بل هي نسيج معقد من العوامل المتشابكة والمتعارضة أحيانًا. طالما سمعت الأسئلة عن وعود بحياة أفضل للشعوب، لكنها نادرًا ما رأت هذه الوعود تتحقق بالكامل. تذكرت الأسئلة دروسًا من التاريخ القريب. كيف سقطت حكومات شيوعية بأكملها في أوروبا الشرقية بعد أربعة عقود من الركود الاقتصادي الذي خنق شعوبها. هنا أدركت الأسئلة أن الدافع الحقيقي للتنمية هو الرخاء، والسبب مرتبط بالاستقرار الاقتصادي الذي يحققه المجتمع. فالناس إذا جاعوا أو شعروا بالضيق، سيتحركون. وبينما كانت الأسئلة تتجول في العالم، لاحظت تناقضات عجيبة. شاهدت مزارعًا أمريكيًا يُدعى جون جونستون من ولاية جورجيا، يبلغ من العمر ثلاثة وأربعين عامًا. يزرع 54 فدانًا من الفول السوداني باستخدام تقنيات زراعية حديثة، ويستفيد من دعم حكومي للبحث العلمي في انتقاء أفضل أنواع البذور والأسمدة، ومن برامج خدمية للمزارعين. يستخدم طائرات لرش المبيدات وآلة حصاد متطورة، ويبيع محصوله بسعر أعلى من السعر الدولي بفضل تدخل الدولة. يا له من عالم! وفي المقابل، هناك مزارع سُنغالي يزرع نفس المحصول، لكن قصته غير موجودة هنا، مما يشي بفارق كبير في الواقع. ثم حلقت الأسئلة فوق المدن، وشاهدت قصة طهران. كان يُعتقد أن العاصمة ستكون قاطرة التنمية، لكن آلاف الفلاحين نزحوا إليها من القرى بحثًا عن عمل ومأوى. لكن خيرات العاصمة لم تتسع لهم، ووجدوا أنفسهم في مساكن بائسة، يرون الثراء الفاحش دون أن ينالوا منه نصيبًا. هؤلاء "فقراء الريف" في طهران كانوا يعيشون معاناة يومية. وحين دعاهم رجال الدين للتحرك، كان من السهل إلهامهم، لأن من لا يملك شيئًا يسهل تحريكه للاحتجاج. أدركت الأسئلة أن التنمية الحقيقية يجب أن تكون شاملة، وإلا تحولت إلى سبب للاضطراب. لم تنسَ الأسئلة التحديات الاجتماعية. ففي المملكة العربية السعودية، واجهت مبادرات فتح مدارس للبنات مقاومة شديدة في البدايات، لدرجة أن الحكومة أرسلت قوات أمن لحماية المعلمات. لكن بمرور السنوات، تحولت هذه المناطق نفسها إلى مطالبة بالمزيد من المدارس. هذا يوضح أن التنمية قد تواجه مقاومة في البداية، لكنها قد تنجح بالإصرار والتكيف. ومع كل هذه الملاحظات، ظهر وجه آخر للتنمية، وجه أكثر قتامة. رأت الأسئلة كيف أدت الأنشطة البشرية باسم "التنمية" إلى كارثة بيئية. تلوثت الأنهار والبحيرات بالمخلفات الصناعية، وامتلأ الهواء بالدخان، وسقط المطر الحمضي الذي أمات الغابات. تساءلت الأسئلة: "هل هذا التقدم البشري عادل؟ وهل تدمير الأرض التي جعلها الله مصدر رزقنا الأول، نتائجه متساوية للجميع أم كارثية؟". لقد أصبح واضحًا أن التنمية السريعة في مناطق من العالم الثالث لم تفد غالبية الشعب، بل فئة محظوظة صغيرة. ففي البرازيل، ارتفع الدخل القومي، لكن حصة الغالبية انخفضت، بينما استحوذت أقلية صغيرة على النصيب الأكبر. ولعل أكبر خطأ لاحظته الأسئلة هو الخلط بين الأساسيات والكماليات. فالناس يعتبرون الحصول على "بنطلون جينز" أمريكي كأحد مطالب الإنسان الأساسية، بينما هو مجرد ترف استهلاكي. البناء لأغراض السكن أساسي، ولكن بناء القصور الفاخرة والأجنحة الفندقية السياحية يعتبر كماليات. حتى في دول الخليج الغنية، يخلط المخططون بين ما هو أساسي وضروري وما هو ثانوي. أخيرًا، توصلت الأسئلة إلى قناعة عميقة: لا يمكن أن نصل إلى التنمية الذهنية الحقيقية دون إصلاح جذري للتعليم في العالم الثالث. يجب أن يكون الهدف الأول هو تعليم أساسي لكل طفل لمدة تسع سنوات على الأقل. والهدف الثاني هو ربط خطط التنمية بالمناهج التعليمية لتلبية حاجة المجتمع من الكفاءات. أما الهدف الثالث فهو التخلي عن الأنظمة التلقينية العقيمة. كذلك، في مجال الصحة، يمكن خفض التكاليف بشكل ملموس بالتركيز على الطب الوقائي بدلًا من العلاج المكلف، والحد من إهدار الأدوية. وبذلك، أدركت الأسئلة الكبرى أن التنمية الحقيقية هي تحقيق الرخاء للجميع، وتلبية الاحتياجات الأساسية أولًا، والتحرك بخطى حكيمة تراعي الإنسان وبيئته، لا مجرد التحديث الشكلي أو النمو الذي يفيد فئة قليلة. إنها ليست عن معادلات معقدة أو رسوم بيانية، بل عن حلول بسيطة يمكن أن يفهمها الناس العاديون.