في قلب القرن العشرين، وُلدت مؤسسة ستشكل ملامح أمريكا أكثر من أي جيش أو دستور. بدأ كل شيء برغبة الرئيس ثيودور روزفلت في ملاحقة لصوص الأراضي، فأنشأ المدعي العام تشارلز جوزيف بونابرت قسم تحقيق داخل وزارة العدل. هكذا، وُلدت نواة مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، في تحدٍ جريء لرفض الكونغرس تمويل مثل هذا الجهاز المركزي. مع دخول أمريكا الحرب العالمية الأولى في أبريل/نيسان، انتشر الخوف من المخربين الألمان وعملائهم السريين، خاصة بعد انفجار مستودع كبير للذخائر في جزيرة بلاك توم عام 1916، الذي تسبب في مقتل 7 أشخاص وتدمير آلاف النوافذ في مانهاتن. هنا، صعد نجم شاب طموح اسمه جاي إدغار هوفر، الذي عمل بجد ليل نهار في قسم طوارئ الحرب. أدرك هوفر أن الحياة "لا تعدو مطابقة مكر امرئ بآخر"، وبدأ ببناء إمبراطوريته الخاصة. في عهد المدعي العام بالمر، أصبح هوفر العقل المدبر وراء "غارات بالمر" الشرسة، ملاحقًا الشيوعيين والمُشتبه بهم، وكثيرًا ما كان ذلك دون تهم أو إدانات. لقد كون هوفر ملفات سرية على عشرات الآلاف من الأشخاص، حتى أولئك الذين يحضرون تجمعات سياسية أو يقرأون صحفًا أجنبية. كانت هذه الملفات حجر الزاوية في مسيرته المهنية. اعتقد هوفر أن الأمة تواجه "عصيانًا مسلحًا" لم يسبق له مثيل منذ الحرب الأهلية، وأن الشيوعيين الأمريكيين كانوا عملاء لموسكو. ومع مرور السنين، أصبح هوفر مهندس "دولة المراقبة الحديثة". استخدم التنصت على المكالمات ووضع أجهزة التنصت كأقوى أدواته لجمع المعلومات، حتى لو كانت هذه الأساليب غير قانونية في بعض الأحيان. خلال الحرب العالمية الثانية، منحه الرئيس روزفلت سلطة واسعة لإجراء عمليات استخبارات سرية ضد أعداء أمريكا. لم يتردد هوفر في استخدام هذه السلطة، فجمع معلومات استخباراتية عن أي شخص يعارض الرئيس أو سياسته، بما في ذلك أعضاء في الكونغرس وشخصيات عامة. كان يرى نفسه حارس الأمن الداخلي لأمريكا. كان هوفر يرى الشيوعيين وراء كل حركة، حتى في صراع العمال مع أصحاب رؤوس الأموال، فدعم البارونات الصناعية. وأثناء حركة الحقوق المدنية، كان مقتنعًا بأن مارتن لوثر كينغ جونيور مدعوم من الشيوعيين. قام بتشغيل عملية سرية اسمها "كو إنتل برو" (COINTELPRO) لتشويه سمعة الأعداء وتدمير حياتهم الشخصية والمهنية. لكن سلطة هوفر لم تكن بلا حدود للأبد. بعد وفاته في عام 1972، واجه مكتب التحقيقات الفيدرالي عاصفة من الانتقادات والفضيحة. كشفت فضيحة ووترغيت، التي غذتها تسريبات من داخل المكتب نفسه، عن مدى التوغل السياسي للمكتب وانتهاكاته للقانون. أصبحت المحاكم العليا أكثر صرامة بشأن المراقبة غير القانونية. حاول الخلفاء مثل كلارنس كيلي وويليام ويبستر إصلاح المكتب، وتحديد صلاحياته، ووضع حد للتحقيقات السرية ضد الأمريكيين. لكن تحديات جديدة برزت. تفجيرات مركز التجارة العالمي عام 1993 وتفجيرات سفارات شرق إفريقيا عام 1998 أظهرت أن المكتب بحاجة إلى التحول لمواجهة الإرهاب الدولي. كان "الجدار" الفاصل بين جمع المعلومات الاستخباراتية وتطبيق القانون يعيق تبادل المعلومات الحيوية. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، تحول مكتب التحقيقات الفيدرالي جذريًا تحت قيادة روبرت مولر. زادت الميزانيات وتضاعف عدد العملاء. تم سن قانون باتريوت، الذي وسع سلطات المراقبة بشكل كبير. أصبحت مهمة المكتب هي منع الهجمات الإرهابية قبل وقوعها. لكن هذه التغييرات لم تكن سهلة، فواجهت المكتب تحديات في التكنولوجيا، والتعاون مع وكالات أخرى، وحتى في ممارسة أساليب استجواب مثيرة للجدل. مع استمرار الحرب على الإرهاب، استمرت المراقبة، وأحيانًا تجاوزت الخطوط القانونية. ومع ذلك، وفي عام 2011، صدرت مبادئ توجيهية جديدة أكدت على أهمية "الطاعة الشديدة للمبادئ والضمانات الدستورية". هذه المبادئ أكدت أن المكتب لا يمكنه التحقيق مع الأشخاص لمجرد معارضتهم للحكومة أو معتقداتهم. وهكذا، استمر مكتب التحقيقات الفيدرالي في صراعه المستمر، في محاولة للحفاظ على أمن الأمة مع الالتزام بسيادة القانون والدستور الذي أقسم على حمايته.