في ولايته الاولى اعتمد الرئيس دونالد ترامب سياسة العقوبات القصوى ضد ايران بعد ان انسحب من الاتفاق النووي الدولي الذي وقعته ادارة الرئيس الاسبق باراك أوباما مع طهران. ولكن ترامب واصل تذكير ايران بانه يريد التوصل الى اتفاق جديد ولا يسعى بالضرورة الى مواجهة عسكرية معها. هل يواصل ترامب هذه السياسة في ولايته الثانية؟
يمكن وصف سياسة الرئيس ترامب تجاه ايران بانها مزيج من الترهيب والترغيب. ويمكن تفسير بعض قرارته السياسية والعسكرية في المنطقة في الشهرين الماضيين بانها مصممة لخدمة هذه السياسة. الهدف المباشر للحملة العسكرية الراهنة ضد الميليشيات الحوثية في اليمن هو وقف الهجمات ضد اسرائيل وضد القوات الاميركية المرابطة في البحر الاحمر، وحماية خطوط التجارة البحرية. ولكن الهدف الاستراتيجي الابعد هو ردع ايران. ومن هنا تحذيره بانه سيعتبر أي طلقة تأتي من الحوثيين على انها طلقة من الاسلحة ومن القيادة الايرانية، وانه سيحمل ايران مسؤولية هذه الهجمات، وان العقوبات ستكون وخيمة بالفعل.
الحملة ضد الحوثيين، جاءت بعد اسبوع من رفض المرشد الاعلى في ايران علي خامنئي عرض الرئيس ترامب في بداية الشهر الجاري الدخول في مفاوضات جديدة مع طهران للتوصل الى اتفاق نووي جديد. وحّذر ترامب في رسالته من انه على ايران ان تختار بين وقف تطوير برنامجها النووي، أو المجازفة بخسارته في ضربة عسكرية. كما قال في مقابلة تلفزيونية انه يفضل التوصل الى اتفاق لأنه لا يتطلع الى "الحاق الاضرار بايران وشعبها العظيم".
واذا كانت الرسالة من منظور ترامب تمثل الترغيب وامكانية فتح جديدة مع ايران، فانه لوّح بالترهيب من خلال اجراء مناورات عسكرية جوية مشتركة مع اسرائيل شاركت فيها قاذفات اسرائيلية جديدة مع طائرة أميركية من طراز ب أثنين وخمسين القادرة على قذف القنابل الضخمة المصممة لتدمير المنشآت المبنية تحت الارض. وهناك تيار في الاوساط العسكرية في اميركا واسرائيل يقول ان الوقت الراهن مناسب جدا لتوجيه ضربة جوية قوية للمنشآت النووية الايرانية، لان ايران الان هي بيت دون سقف، بمعنى انها تفتقد الى منظومة دفاع جوي فعالة بعد ان دمرت اسرائيل في السنة الماضية أكثر من عشرين مركزا للدفاعات الجوية حول بعض المواقع الاقتصادية والنووية في جميع انحاء ايران.
وفي هذا السياق كشفت مصادر عسكرية في واشنطن ان القوات الاميركية المرابطة في سوريا لعبت دورا هاما في اقناع قوات سوريا الديموقراطية التي يقودها الاكراد وتسيطر على منطقة في شمال شرق سوريا في التوصل الى اتفاق مع الحكومة الجديدة في دمشق، كما قامت بالدور نفسه في اقناع قوات الجيش السوري الحر المنتشرة قرب قاعدة التَّنْف التي تسيطر عليها القوات الاميركية في جنوب شرق سوريا في التوصل اتفاق مماثل. وتهدف هذه الاتفاقات الى منع استئناف النزاع الاهلي في سوريا ومنع ايران وحلفائها من استعادة نفوذهم في سوريا.
وفي الوقت ذاته تواصل الولايات المتحدة مساعيها الديبلوماسية لحل الخلافات العالقة بين لبنان واسرائيل منذ رفض اسرائيل تنفيذ انسحابها الشامل من لبنان في شهر فبراير-شباط الماضي. ومن هنا اعلان نائبة المبعوث الاميركي الخاص Morgan Ortagus تشكيل فرق العمل بين لبنان واسرائيل لحل قضايا معقدة مثل الافراج عن الاسرى اللبنانيين والمناطق التي لا تزال اسرائيل تحتلها على الخط الازرق. وتهدف الوساطة الاميركية الى حل هذه الخلافات تمهيدا لنشر قوات الجيش اللبناني والقوات الدولية على الحدود لمنع قوات حزب الله من اعادة بناء مواقعه في المنطقة الحدودية.
ومن اجل تعزيز قوات الجيش اللبناني ودعم الرئيسين جوزف عون ونواف سلام، وافقت وزارة الخارجية الاميركية على استثناء لبنان من قرار الرئيس ترامب تجميد المساعدات الاميركية الخارجية، وتخصيص مبلغ خمسة وتسعين مليون دولار لتمويل الجيش اللبناني.
سياسة الترغيب والترهيب التي يعتمدها الرئيس ترامب تجاه ايران سوف تنتهي في المستقبل القريب حين يقوم ترامب وعلى خامنئي بحسم خياراتهما وتبني الترغيب او الترهيب.