حينَ تشعرُ بالعطش؛ وتملأُ كوبًا منَ الماء؛ قدْ يستدعي خيالُك أنَّ ما تشربُه منْ سائلٍ هوَ في الأساسِ غازانِ اثنان -هيدروجين وأكسجين- اتحدا معًا لتكوينِ ما يملأُ كوبَك ويروي عطشَك.
عرفَ العلماءُ منذُ قرونٍ أنَّ معظمَ موادِّ الكونِ تتكونُ في الأساسِ منْ بضعةِ عناصرَ يتحدُ بعضُها معَ بعضٍ لتشكيلِ الوجود. وعرفُوا أيضًا أنَّ دراسةَ الوجودِ تبدأُ بتفكيكِه.
في الكيمياء؛ يُعَدُّ فنُّ فصلِ مكوناتِ المركبات، المعروفُ أيضًا باسمِ التحليلِ الكيميائيِّ، ممارسةً أساسيةً للتحقيقِ المنهجيِّ وتحديدِ المكوناتِ أوِ الموادِّ المختلفةِ الموجودةِ داخلَ مركبٍ أوْ خليطٍ معين.
وعبرَ العصور؛ تطورَ فنُّ فصلِ مكوناتِ المركبات، لكنْ لمْ تكنْ جهودُ الباحثينَ، في كثيرٍ منَ الحالات، قادرةً على فصلِ الموادِّ المكونةِ منْ جزيئاتٍ كبيرةٍ دونَ تغييرِ طبيعةِ هذهِ الجزيئاتِ في سياقِ التجارب.
لذا؛ تركزَ اهتمامُ الباحثينَ في القرنِ العشرينَ على تفكيكِ تلكَ الموادِّ التي تؤدي دورًا كبيرًا في بيولوجيا أجسامِنا؛ منْ ضمنِ تلكَ الموادِّ كانتِ البروتيناتُ والبوليمراتُ الكربوهيدراتيةُ التي تؤدي دورًا رئيسيًّا في العملياتِ الحيوية؛ الأولُ في الحياةِ الحيوانية، والثاني في الحياةِ النباتية.
ومنْ بينِها أيضًا الموادُّ الاصطناعية، بما في ذلكَ أنواعٌ مختلفةٌ منَ المطاطِ الصناعي، والموادِّ العازلة، والبلاستيك، والموادِّ المضغوطة، والمنسوجاتِ الجديدة، وغيرِها منَ المنتجاتِ التي تزدادُ أهميتُها العمليةُ يومًا بعدَ يوم.
والآنَ؛ هناكَ العديدُ منَ التقنياتِ والمنهجياتِ المستخدمةِ في التحليلِ الكيميائيِّ، كلٌّ منها يناسبُ أنواعًا مختلفةً منَ المركباتِ والأهدافِ التحليلية، يمكنُ تصنيفُ هذهِ الأساليبِ على نطاقٍ واسعٍ إلى فئتينِ هما التحليلُ النوعيُّ والتحليلُ الكمِّي.
ويركزُ التحليلُ النوعيُّ على تحديدِ وجودِ أوْ عدمِ وجودِ أنواعٍ كيميائيةٍ معينةٍ داخلَ العينة. يتضمنُ استخدامَ اختباراتٍ مختلفة، مثلَ تفاعلاتِ الألوان، أوْ تكوينِ الراسب، أوِ التحليلِ الطيفي، لتحديدِ طبيعةِ المكوناتِ الموجودة. يساعدُ التحليلُ النوعيُّ في التعرفِ على الموادِّ غيرِ المعروفة، وتأكيدِ وجودِ المركباتِ المرغوبة، أوِ الكشفِ عنِ الشوائب.
منْ ناحيةٍ أخرى، يهدفُ التحليلُ الكمِّيُّ إلى تحديدِ التركيزِ الدقيقِ أوْ كميةِ مادةٍ معينةٍ داخلَ العينة. يتضمنُ ذلكَ تقنياتِ قياسٍ دقيقة، مثلَ المعايرةِ بالتحليلِ الحجمي، أوِ التحليلِ الطيفي، أوِ اللوني، أوْ قياسِ الطيفِ الكتلي، لتحديدِ كميةِ تحليلٍ معين. يُعَدُّ التحليلُ الكميُّ ضروريًّا في مختلِفِ المجالات، بما في ذلكَ المستحضراتُ الصيدلانيةُ والمراقبةُ البيئيةُ وعلومُ الطبِّ الشرعيِّ ومراقبةُ الجودةِ في الصناعات.
وفي عام ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وأربعينَ مُنحتْ جائزةُ نوبل في الكيمياءِ للعالِمِ "آرني تيسيليوس" لعامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وأربعينَ لأبحاثِه حولَ تطويرِ طريقتينِ جديدتينِ كُليًّا في التحليلِ الكيميائيِّ هما "الرحَلانُ الكهربائيُّ" و"الامتصاصُ" ما ساهمَ في اكتشافاتِه المتعلقةِ بالطبيعةِ المعقدةِ لبروتيناتِ المصل.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.