في قلبِ مختبرٍ علميٍّ صاخب، سادَ الأجواءَ ترقُّبٌ صامت.
كانَ ذلكَ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وثلاثين، وكانَ عالِمُ الفيزياءِ الألمانيُّ "أوتو هان" على أعتابِ اكتشافٍ غيرِ عادي.
طيلةَ شهور؛ قصفَ "هان" بلا كللٍ ذراتِ اليورانيوم بنواقلَ صغيرةٍ منَ الطبيعةِ تُسمى النيوترونات، كانَ يأملُ كشفَ الألغازِ المخبأةِ داخلَ نواةِ الذرة. ومعَ ذلكَ، بدتْ جهودُه بلا جدوى لأسابيع.
لكن؛ وفي صباحِ أحدِ أيامِ نوفمبر؛ وعندما غمرتْ أشعةُ الشمسِ مختبرَه، تكشفتْ أمامَه ظاهرةٌ غريبة.
فقدْ بدأتْ عينةُ اليورانيوم في الكشفِ عنْ طبيعتِها الحقيقية. وتحتْ وابلٍ منَ النيوتروناتِ المتساقطة؛ كانتِ الأنويةُ تنشطر.
حدَّقَ "هان" في العينةِ برهبة، ولاحظَ تحولًا غامضًا؛ فنواةُ اليورانيوم تحطمتْ إلى شظايا، مثلَ بلورةٍ مهيبةٍ تستسلمُ لوزنِها. وانكشفَ جوهرُ الذرة، وأطلقَ سيلًا منَ الطاقةِ في الفضاءِ المحيط.
اتسعتْ عينُه، واستحوذَ مزيجٌ منَ الارتباكِ والبهجةِ على روحِه. فقدْ عثرَ على شيءٍ يتحدى حدودَ الفهمِ العلميِّ في ذلكَ الوقت.. حصلَ على انشطارِ نوىً ثقيلة.
انتشرَ الخبرُ كالنارِ في الهشيمِ منْ خلالِ المجتمعِ العلمي؛ فقدْ تحققَ ما كانَ يُعتقدُ أنَّه مستحيل.
بدأتِ القصةُ في الثلاثينياتِ منَ القرنِ الماضي، عندما اقترحَ العديدُ منَ العلماءِ، بما في ذلكَ جورج جامو وفريتز هوترمانز وروبرت أتكينسون، بشكلٍ مستقلٍّ إمكانيةَ الانشطارِ النوويِّ بناءً على الحساباتِ النظرية. واقترحُوا أنَّ النواةَ الذريةَ، عندَ قصفِها بالنيوتروناتِ، يمكنُ أنْ تصبحَ غيرَ مستقرةٍ وتنقسمَ إلى نواتينِ أصغرَ حجمًا، وتطلقَ كميةً كبيرةً منَ الطاقة.
وفي أواخرِ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وثلاثين، قامَ الكيميائيانِ الألمان أوتو هان وفريتز ستراسمان، في أثناءِ إجراءِ تجاربَ على قصفِ اليورانيوم، بملاحظةٍ رائدة. لقدْ لاحظُوا أنه عندَما قصفُوا اليورانيوم بالنيوترونات، لمْ تكنِ المنتجاتُ المشعةُ الناتجةُ هيَ تلكَ المتوقعةُ منِ التقاطِ النيوتروناتِ ولكنْ بالأحرى منِ انقسامِ نواةِ اليورانيوم. لقدْ أدركُوا أنَّهم عثرُوا على عمليةِ الانشطارِ النووي، على الرغمِ منْ أنَّهم في البدايةِ لمْ يفهمُوا تمامًا أهميةَ اكتشافِهم في ذلكَ الوقت.
وبفضلِ تلكَ الملاحظة؛ نشأَ تخصصٌ جديد، وهوَ تخصصُ الكيمياءِ النووية، الذي يتعاملُ معَ الأجزاءِ المركزيةِ للذراتِ ونواتِها لتحدثَ ثورةٌ علميةٌ لا يزالُ صداها يترددُ حتى الآن.
فقدْ تسببَ اكتشافُ "هان" في مفاجأةٍ كبيرةٍ وأثارَ اهتمامًا نشطًا بينَ علماءِ العالم. تمَّ تحويلُ ذلكَ الاكتشافِ على الفورِ إلى موضوعِ تحقيقاتٍ نظريةٍ مهمةٍ قامَ بها علماءُ آخرون.
وأشارَ هؤلاءِ المحققونَ إلى أنَّ الانشطارَ النوويَّ يحدثُ معَ توليدٍ هائلٍ منَ الطاقة، بسببِ تحويلِ المادةِ إلى طاقة. أظهرتِ الحساباتُ أنَّ الشظايا الناتجةَ عنْ هذا الانقسامِ ستتشتتُ في جميعِ الاتجاهاتِ بقوةٍ هائلة. كما اكتشفَ العلماءُ أنَّه منَ الممكنِ تقسيمُ اليورانيوم لإنتاجِ تفاعلٍ متسلسلٍ يولِّدُ كميةً كبيرةً جدًّا منَ الطاقة. وهكذا أصبحتِ النظرةُ المستقبليةُ للبحثِ اللاحقِ واعدةً للغاية.
والآنَ؛ يعرفُ العالَمُ على وجهِ اليقينِ أهميةَ اكتشافِ العالِمِ الألمانيِّ "أوتو هان"، الذي حصلَ على نوبلِ الكيمياءِ لعامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةٍ وأربعين.
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.