بينما نحن في أحد المطاعم في استوكهولم، وأنا مع صديقتي الخجولة، والتي عبّرت لي أنّ خجلها يضايقها، وأنّها ترتبك في مكان العمل، وكيف أنّها تكره أن تقدّم عرضًا أمام زملائها في العمل. قلت لها أنني أتفهّم ذلك فأنا أيضا كنت خجولة. نظرت لي باستغراب، وقالت: "أنتِ كنتِ خجولة؟ مستحيل". ضحكت، وقلت لها "نعم. بإمكاننا أن نتغير".. واسترجعت الذكريات.
عادت ذاكرتي لأيام المدرسة، ومعلمتي تسأل زميلتي وهي مبتسمة، وتقول لها: "هل سمعتِ صوت هند من قبل؟". كانت معلمتي تستغرب أنني لا أتحدث أبداً، كنت أكره الحديث، فصوتي يرتجف، وخدودي تصبح حمراء، ثم أسمع زميلاتي يتهامسن: "انظرن كيف أصبح وجهها أحمر"، ويضحكن بصوت عالٍ، فأزداد خجلًا وارتباكًا.
"لحظة لحظة" أقولها وأنا خائفة، فيرد الأستاذ بغضب، وصبره يكاد ينفد: "لحظتين!"، وأنا أشعر بالارتباك والخوف، فقد نسيت كلّ ما حفظته بسبب خوفي أن الأستاذ طلب مني أن أجيب في الصف. كنت في ال 15 من عمري إلا أنني كنت ما أزال شديدة الخجل.
لأول مرة أعترض على شيء، وأُظهر قليلاً من شخصيتي كان في آخر أيام لي في الجامعة في اليمن، في فترة تخرجي، وقال لي مدير الجامعة وقتها بعد أن فضحت فسادهم "أنتِ تقولين كلامًا أكبر من حجمك"، وكان هذا الموقف مثل التجربة التي أظهرت لي بأنني في الحقيقة أقوى مما أتخيل.
لكن خجلي استمر حتى عندما أصبحت إنسانة عاملة.
فقط مديرتي كانت ترى فيّ شيئًا لم أكن أراه في نفسي. في ذلك الوقت كانت تقول لي: "يضع سرّه في أضعف خلقه" تعبيرًا عن أن حجمي صغير وأبدو "غلبانة"، ولا يتوقع مني أشياء كبيرة، ولكنها كانت تقول بأنها تراني وأنا أقود الناس، ولا أعلم كيف تنبأت بذلك، فبعد حديثها بسنوات كنت فعلا أقود حملات، ووقفات أمام البرلمان في اليمن.
انقطع شريط ذكرياتي، والتفتّ لصديقتي الخجولة، وقلت لها: "صدّقيني أنا تغيرت لأنني اضطررت لذلك، لأنّ الظروف أجبرتني أن أتحدث في التلفاز، وأمام مجموعة من الناس، لأنني آمنت بشيء أكبر مني جعلني أستمدّ القوة لكي أستمر، إلى أن تعودت وأصبح الأمر عاديًّا بالنسبة لي.
نحن نتغير إنْ وضعتنا الظروف في مواقف ترغمنا على التغيير، ولكن بإمكاننا أن نقرر أن نتغير حتى ولو ظروفنا لم تجبرنا على ذلك، فقط إن كانت هناك رغبة قوية وحلم كبير، يجعلنا نُصرّ، لنحاول، ونحاول إلى أن نتغير.