كتاب زاد أغنياء الجنة
الكاتب إسلام جمال
وعد قرآني
اتكأت عليه في أيام عُسر.. فأخذني أبعد مما أتصور
تشبثت به وكأنني وقعت على سر من أسرار هذه الدنيا
بُحت به لمن أعرفهم
فمنهم من أخذ به ومنهم من لم يأخذ
وقد رأيت تبدل حال القليل الذي أخذ به
وروىٰ لي بعضهم ما لم أرَه
والنتيجة واحدة
ســــــعة رزق وزيــادة
ورد في كتاب الزهد لابن أبي الدنيا أنه كان من دعاء السلف -رحمهم الله-: اللهم زهدنا في الدنيا.. ووسع علينا منها.. ولا تَزوِ بها عنا.. فتُرغِبنا فيها.
ولو كان المال أصل كل شر كما يدعي البعض، فأين نحن من دعاء النبي ﷺ لخادمه أنس بن مالك حين أتت به أمه صغيرًا للنبي ﷺ وقالت له: يا رسول الله، هذا أنس خويدمك فادع الله له، فقال ﷺ: «اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته»
فقال أنس رضي الله عنه -وهو شيخ- مُصدقًا دعوة النبي الكريم: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي ووَلَد وَلَدِي ليَتعَادُّونَ علىٰ نـحو المائة اليوم.
كلمات قيلت قبل ألف ومائتي عام علىٰ لسان أَمة من إماء الله.. هي بنت خليفة وأم لـ خـليفة وزوجة خـليفة.. كان يعـمل في قـــصرها أكثر من ألــف خادم.. السيــدة زُبيـــدة زوجة الخليفة هارون الرشيد وأم ولده الأميــن.
ذهبت للحج عام 186 هـ لتجد أن الطريق بين مكة والعراق لا ماء فيه، وأن الحجيج يحملون أواني الماء معهم فتُرهقهم ويموت الكثير منهم في الطريق لشدة الحرارة ونقص المياه، فتُقرر استخدام مالـها الخاص لشراء صالحات باقــــيات إلىٰ زمـــاننا هذا.
فتشتري جــميع أراضي وادي النعمان الواقع شرق مكة، وتأمر بـحفر قنوات مائية متصلة وأن تُشق الجبال حتى يصل الماء إلىٰ جبل الرحمة ليرتوي منه الحجيج يـــوم عرفة!
يُـــخبرها خازن أموالها أن تكلفة ذلك المشروع تكلفة عظيمــة ونفقتـــه لم يُنفق مثلها قط، فتقول له عبارة خـــلدها التاريـــخ: “اعمــل.. ولو كلفتـــك كل ضربة فأس ديـنـار ذهب”
استغرق العمل قرابة عشر سنوات.. وحُفرت قناة طولها تقريبًا ثلاثون كيلو مترًا وعمقها أربعين مترًا تـحت الأرض.. تمر القناة خلال إحدى عشرة محطة لتجميع المياه يتخذها حـجيـــج بيت الله كاستراحات وَهُم في طريـــقهم لمـــكة.
تكلف ذلك الوقف الخيري العظيم ما يزيد عن مليون وسبعمائة ألف دينار ذهب أي ما يعادل تقريبًا مليارًا ومائتي مليون ريال سعودي وحين استلمت السيدة زُبـيدة دفاتر النفقات من خازن أموالها للتحقيق فيها ألقت بها في نهر دجلة وقالت: تركنا الحساب ليوم الحساب، فمن بقي عنده شيء من المال فهو له، ومن بقي له شيء عندنا أعطيـــناه!!
حين يـــقع المال في يد العبد الصالـح والأَمة المؤمنة، يُصبح المال زادًا تُشترىٰ به الباقيات الصالـحات، ولا أُبالــغ حين أقــول إن أثر ذلك المال الصالح ربـما يـمتد لـمئات السنين ويصل لملايــــين البشر، لذلك إذا أردت ألا تـــجف صُـحف أعـــمالك ولا تُرفع أقـــلامها فاجــعل الـمال زادك واشترِ به باقيًا لا يزول بزوالك فتُســطَّر في ســـجلات أعمالك فـــوق حياتك ألـــف حـــياة.
صاحبنا يحصل علىٰ دخل عالٍ جداً، لكنه ليس غنيًّا ولا يملك أي مدخرات، تلتهم الديون الضخمة راتبه كله وأكثر..
هو يقود سيارة فارهة لم يدفع شيئًا للحصول عليها حيث يتم خصم أقساطها من راتبه كل شهر، يسكن في بيت فاخر حصل عليه بطريقة الرهن العقاري Mortgage حيث يتم سداد قيمته علىٰ أقساط شهرية أيضاً، وإذا عـجز صاحبنا عن سداد بضعة أقساط فقط سيستحوذ البنك المُقرض علىٰ البيت.. يرتدي صاحبنا ساعة يد باهظة الثمن كان قد اشتراها ببطاقة الائتمان Credit Card، تلك البطاقة التي تُـمكّنه من شراء أي شيء يريده حتىٰ لو لم يملك ثمنه!
هو يظن أنه يعيش حياة الأغنياء، ولا يعلم أن الأغنياء أحدق من أن يعيشوا حياته، هو مُعتقل داخل زنازين الديون وأسير راتبه العالي الذي إذا انقطع عنه شهر واحد فقط.. أعلن إفلاسه.. فالفارق كبير بين أولئك الذين يعيشون حياة مُترفة وبين الأغنياء، ليس بالضرورة أن يكونوا سواء.
كان غنياً زاهدًا، يمتلك فيزهد، والفرق بين الزُهد والفقر كفرق الليل والنهار، يدخر لأهله نفقةَ عام ويُنفق ما زاد عن ذلك، جاءه رجلٌ ذات مرة يسأله، فأعطاه غنمًا كثيرة يملكها سدت بين جبلين وقال له هي لك، فرجع الرجل إلىٰ قومه ينادي فيهم: أسلــــموا.. فإن محمدًا يُعطي عطاء من لا يخشىٰ الفقر. صلى الله عليك وسلم يا حبيبي يارسول الله..
كلما طاردني حُلم الدراسة بالخارج، كنت أجلس مع كومة من الأوراق البيضاء كـحسابي البنكي أبحث عن طريقة لزيادة دخلي حتىٰ أوفر منه نفقة الدراسة، لكن كانت تنتهي تلك الجلسات بالعزم علىٰ صرف النظر عن ذلك الحُلم حتىٰ لا يُثقلني هـمّه.
وما هي إلا أيام حتىٰ يُطاردني شبحه مرة أخرىٰ، فأجلس مُستغرقًا مع كومة الأوراق وكأنني أحمل هم كوكب الأرض باحثًا عن حلّ لتلك المعادلـة الصعبة التي تدور في رأسي ولا تكف عن الدوران.. حتىٰ جاءني الـحل!! كان هناك قرءانٌ يُتلىٰ ولم أكن منتبهًا له كان صوت القارئ قرارًا هادئًا حتىٰ جاءت الآية التي حلت لي المعادلة الصعبة فغدا صوت القارئ فيها جوابًا جليًّا وأخذ يكررها حتىٰ ظننت أنه يقرأها لي أنا! فبادلته الجواب.. وبعدها تغير كل شيء!