قررت ادارة الرئيس باراك أوباما في ولايته الثانية الاستدارة الأميركية نحو منطقة آسيا ـ الباسيفيك، وفك الارتباط مع الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وهذا الانسحاب او اعادة التموضع كان له ثلاثة مبررات : التكلفة الاقتصادية العالية للبقاء في الشرق الأوسط بينما الفائدة موجودة في منطقة آسيا ـ الباسيفيك؛ تنامي الشعور الأميركي بالقدرة على الاكتفاء الذاتي من الطاقة وعدم الاعتماد على الشرق الأوسط.
في تلك الحقبة كان الرئيس الحالي جو بايدن نائباً للرئيس ولم يكن بعيداً عن هذا الخيار . بيد انه خلال حملته لانتخابات العام ٢٠٢٠, ابدى بايدن اهتماما بملفات المنطقة على طريقته مركزاً على اهمية العودة الى الاتفاق النووي مع إيران، واعتبار المملكة العربية السعودية " دولة منبوذة" ، والفصل بين تأييد اسرائيل والموقف السلبي من بنيامين نتنياهو.
والآن على ابواب حملة الانتخابات الرئاسية في ٢٠٢٤ ، يتبين ان رهانات ساكن البيت الابيض في الشرق الاوسط لم تنجح، ولكن ذلك لم يدفعه الى الانكفاء بل تسجل حاليا محاولات جدية للعودة بقوة الى مسرح الشرق الاوسط مع تقديم اقتراحات لترتيب الصلة مع الحلفاء الاقليميين التاريخيين واعادة الامساك بخيوط اللعبة.
انتهى عمليا الاتفاق النووي مع ايران، ووصل الامر للتحقيق مع الموفد الاميركي الخاص روبرت مالي لأسباب أمنية . وبالرغم من الدعم الايراني لروسيا في الحرب ضد اوكرانيا ، لا تبدو واشنطن عازمة على القطيعة مع طهران كما يدلل الاتفاق الاخير حول الافراج عن اسرى اميركيين في ايران مقابل الافراج عن ارصدة ايرانية مجمدة كي تنفق على الادوية والاغذية وحاجات اساسية . وكل هذا يعني ان ادارة بايدن تحاول عدم خسارة كل رهان الديمقراطيين على طهران مع الامل باعادة الوصل معها لاحقاً.
الا ان الرهان الاساسي لبايدن يتمثل في السعي لاكمال ما بدأه ترامب بين العربية السعودية واسرائيل .
في نفس هذا السياق يركز بايدن على حل ازمة اسرائيل الداخلية ويعمل لإجبار نتنياهو على التخلي عن خططه لإنشاء مستوطنات جديدة والتعديلات القضائية حول المحكمة العليا ، من خلال ابراز موقف الادارة الذي يدعم "التطبيع الكامل مع إسرائيل" و"التحدث إلى الشركاء الإقليميين حول كيفية تحقيق المزيد من التقدم". ويوجد على بساط البحث اقتراحات حول اتفاقيات امنية ومشروع نووي مدني للمملكة وكذلك تطبيق حل الدولتين مع السلطة الفلسطينية
يبدو المسار خاضعا للنقاش والانجاز غير متوفر في المدي المنظور. لكن الفتور في الاتفاق السعودي - الايراني يدفع بواشنطن لهجوم دبلوماسي مضاد مع الامل بتحقيق نتائج يسعى بايدن لاستثمارها في انتخابات ٢٠٢٤.