يحل اليوم الوطني الفرنسي هذا العام في وقت تتزاحم فيه الاسئلة والتحديات على ضوء موجة العنف الاخيرة وما كشفته عن ازمة متعددة الابعاد، وتكرار الاحتجاجات والمشهد السياسي المشتت في ظل عدم وجود اكثرية وازنة وطغيان دور الرئيس في ادارة شؤون البلاد .
بالاضافة للتحديات الداخلية ، تواجه فرنسا انعكاسات نشوب حرب اوكرانيا فائقة المخاطر في قلب أوروبا ، وتواجه على نطاق أوسع تفاقم التوترات الجيوسياسية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم.
تجد الجمهورية الخامسة نفسها أمام منعطف حرج، على بعد أسابيع من ذكرى تأسيسها الخامسة والستين في الرابع من اكتوبر القادم . وازاء الوضع القائم تبدو الاصلاحات ملحة واحتمال الانتقال نحو الجمهورية السادسة وارد اكثر من اي وقت مضى.
بعد ٢٣٤ سنة على ثورة الرابع عشر من تموز / يوليو، وصل الامر ببعض المراقبين للكلام عن " مشاهد حرب أهلية " استناداً الى موجة شغب غير مسبوق والى تكرار الاحتجاجات منذ عدة سنوات ، واخذ البعض يتكلم عن التغيير الشامل لأن استحالة الاصلاح واستمرار التدهور ينذران بالثورة او بتصدع النسيج الاجتماعي .
بالفعل، هدأت بالكاد الاحتجاجات ضد إصلاح نظام التقاعد ، وقبلها كان حراك "السترات الصفراء" في الشوارع . وأخيراً أتى دور شباب الاحياء المنحدر في غالبيته من أصول مهاجرة، لكي يلقي الضوء على مسائل الهجرة والتعددية والهوية التي تعد من المسائل الخلافية التي تثير الانقسامات ، مع صعود اليمين المتطرف و اليسار الراديكالي ونزعات الانكفاء نحو الهويات الثقافية والدينية .
على خلفية الاهتزازات الامنية والاقتصادية ، تبرز ازمة في الديمقراطية الفرنسية وفي الممارسة السياسية نظراً لنسب الامتناع الكبيرة في الانتخابات وعدم شعبية المنتخبين وغياب اكثرية مطلقة للحكومة في الجمعية الوطنية .
أرست الجمهورية الخامسة استقراراً سياسياً مشهوداً خلال فترة طويلة واستثنائية. لكن الخلل اخذ يبرز في السنوات الاخيرة ولم يفلح التعديل الدستوري في العام ٢٠٠٠ والذي قضى بتقليص مدة الولاية الرئاسية من سبع الى خمس سنوات، في تحسين الاداء بل أسهم على العكس في زيادة شكوك الرأي العام والشعب حيال المسؤولين ، وبروز عداء مستمر لشخص رئيس الجمهورية سواء كان اسمه ساركوزي أو هولاند أو ماكرون ، و كل هذا على خلفية الخوف من المستقبل.
هكذا اخذ يتضح ان " الجمهورية الخامسة" التي جرى توصيفها ب" النظام الملكي الجمهوري " على قياس مؤسسها الجنرال شارل ديغول، لم تعد تتكيف مع مقومات الجمهورية الحديثة ، واصبح من الملح إصلاح المؤسسات من دون تردد.