نخصص حلقة هذا الأسبوع من برنامج "قرأنا لكم" لدراسة سوسيولوجية مهمة للباحث الفرنسي في الجغرافيا السياسية كريستوف جيولي صدرت مؤخرا عن دار "فلاماريون" للنشر بعنوان "المحرومون".
دراسة تندرج في نفس خط مؤلفاته السابقة التي تحلل السياسات الحكومية الفرنسية في العقود الأخيرة وتداعياتها القاتلة على الطبقات المتوسطة وتهميش شرائح واسعة من الفرنسيين في المدن الصغرى والضواحي البعيدة عن المركز والمناطق الريفية. لنستمع اليه متحدثا عن الأفكار التي عالجها في دراسته الجديدة.
"كالعادة هذا الإصلاح الجديد تمخض عن رفض عارم وتعبئة هائلة في صفوف الفرنسيين خاصة في المدن المتوسطة والصغرى والمناطق الريفية. وهذا الرفض لا ينبع من مشروع الإصلاح في حد ذاته وبنوده المثيرة للجدل بقدر ما ينبع من الغياب المطلق للمعنى والحكمة لمشاريع الإصلاح المتكررة التي لا تندرج في مخطط سياسي شامل ومفهوم إنما تبقى منحصرة في إطار تقني وبيروقراطي محض. بل إن مشاريع الإصلاح الأخيرة يبدو أن هدفها الوحيد هو التوافق مع ثوابت الاقتصاد المعولم.
اليوم بات من الواضح بأن الطبقات الشعبية والمتوسطة لا تثق في النخبة السياسية والاقتصادية التي حرمتها من الكثير من المكتسبات وأدخلتها في دوامة من التفقير المتواصل منذ عدة عقود.
والاحتجاجات السياسية والاجتماعية التي نعيشها حاليا هي ليست إعادة لأحداث رواية البؤساء الشهيرة وهي ليست ثورة فقراء يريدون تحقيق مكتسبات وحقوق جديدة. وهي ليست حركة تعكس الرغبة في عالم جديد بل بالعكس إنها حركة احتجاج عارمة من أجل الحفاظ على العالم القديم، العالم الذي كانت تعيش فيه هذه الطبقات الاجتماعية أوضاعا مستقرة.
إن هذا الاحتجاج يبدو وكأنه ينبع من ايمان ثابت بأن السياسات المتعاقبة منذ عقود عملت على حرمان هؤلاء من مكتسباتهم وأنهم تم طردهم من ذلك العالم القديم. وبهذا المنعى فالاحتجاج ليس فقط لدوافع اقتصادية تتعلق بمعاشات نظام التقاعد وفقدان القدرة الشرائية وتداعيات التضخم وتفشي الغلاء وإنما هو احتجاج وجودي عميق وقلق هائل من الحاضر وخوف من المستقبل وآفاقه السوداء.
وفي هذا السياق يعكف النظام السياسي على بث التفرقة وتقديم الإصلاحات من منظور تقني صرف واتخاذ إجرائية قطاعية منعزلة تتوجه الى شرائح معينة في مناطق جغرافية محددة من أجل إعطاء الانطباع بأن الأمر يتعلق بأقليات اجتماعية هامشية. بينما الحقيقة التي باتت واضحة الآن هي أن ما يحدث حاليا هو الاختفاء التدريجي للطبقات المتوسطة في المجتمعات الغربية."
كريستوف جيولي واحد من أبرز الباحثين من الجيل الجديد في مجال الجغرافيا السياسية. ومعظم مؤلفاته تنطلق من نقد صارم للنخب السياسية الفرنسية. ومن بين دراساته الأخرى "خسوف فرنسا المتعالية" و"فرنسا الهامشية" و"شروخ فرنسية" وترجمت إلى غالبية اللغات الأوربية...
وكل كتاب وأنتم بخير...