شكلت الحرب على غزة خلفية لصراع كان متوقعا بين إيران من جهة والولايات المتحدة والدول الغربية من جهة أخرى، وقد استخدمت طهران ورقة توسيع نطاق الحرب ضد إسرائيل بتحريك وكلائها في لبنان واليمن والعراق لمساندة غزة.
عدا امتداداته الإقليمية، بدأ هذا الصراع يتخذ بعدا استراتيجيا من خلال محاولة إيران مد نفوذها البحري نحو مضيق باب المندب جنوب غربي اليمن، للتحكم بالملاحة الدولية في البحر الأحمر، وما أحجمت إيران عن إنجازه كليا في مضيق هرمز سابقا، لأنه يعرضها لمواجهة مباشرة مع كل القوى الدولية، يبدو سيناريو الاعتماد على جماعة الحوثيين في اليمن أكثر فاعلية بالنسبة إليها، إذ أدت هجمات هؤلاء على السفن إلى شل التجارة العالمية.
ولأن الحوثيين جماعة تدعمها إيران وليسوا دولة، فإنهم تعاملوا مع التحالف الدولي الذي أنشئ لردعهم بتحديات متهورة، ويتعاملون مع الضربات الجوية التي يتعرضون لها بالإصرار على مواصلة التهجم على السفن، بما في ذلك تلك غير المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.
ومع استعداد مزيد من الدول الغربية لإرسال تعزيزات إلى التحالف البحري، شعرت إيران بأن المواجهة قد تضعف حليفها الحوثي في المعادلة اليمنية الداخلية، لذلك وجهت تحذيرات إلى الدول الخليجية المجاورة كي لا تتدخل، خصوصا أن السعودية توصلت لتوها إلى اتفاق مع الحوثيين على إنهاء حرب اليمن.
لكن إيران قررت أخيرا الدخول على خط التصعيد، إذ احتجزت ناقلة نفط أميركية في بحر عمان، واستخدم الحرس الثوري صواريخ باليستية لضرب موقع في أربيل عاصمة كردستان العراق، قال إنه مقر تجسس لجهاز الموساد الإسرائيلي، وهو ما نفته بغداد واستدعت سفيرها من طهران، معتبرة ما حدث انتهاكا لسيادة العراق.
كذلك أطلق الحرس صواريخ على ما ادعى أنه مقر لتنظيم الدولة في سوريا، وأتبع ذلك بضرب مقرين لجيش العدل في باكستان، وهو جماعة إيرانية معارضة.
ومن الواضح أن الهدف من هذه الضربات استعراض القوة وتحدي الوجود الأميركي في المنطقة، ورد البنتاغون بإعلان مصادرة أسلحة إيرانية كانت موجهة إلى الحوثيين، والأكيد أن تصعيد قواعد الاشتباك يحافظ على مستوى من التوتر من دون أن يبلغ حد حرب لا تريدها الولايات المتحدة التي تفصل المواجهة في البحر الأحمر عما يحدث في غزة.