يختلف المراقبون على تقييم السياسة الخارجية للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون..
ترتكز هذه السياسة على ركنين أساسيين: الأول تمايز النهج السياسي الفرنسي عن الشركاء داخل الاتحاد الأوروبي وداخل الحلف الأطلسي وباقي التكتلات الحليفة والثاني التمسك بتعددية الأقطاب . كنقيض للأحادية القطبية التي تتمسك بها واشنطن.
لم يمنع هذا التمايز الرئيس ماكرون من العمل بشكل جماعي تحت رايتي الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي وغطاء الأمم المتحدة.
تبلور طموح الرئيس الفرنسي خلال رئاسة بلاده الاتحاد الأوروبي في الأشهر الستة الأولى من العام 2022 عبر العمل على أربعة مسارات: الأول هو مسار إدارة الأزمات والبحث في مشاركة الاتحاد الأوروبي ببعثات عسكرية أو مدنية في المناطق المضطربة. والثاني هو مسار دعم القدرات الاوروبية لمنع انفجار الأزمات في مناطق النزاع والمسار الثالث يقوم على تنمية القدرات في المجال الدفاعي. أما المسار الأخير فيتعلق بالشراكات مع الكيانات غير الأوروبية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
أطاحت الحرب في أوكرانيا بمشاريع الرئيس الفرنسي الأوروبية. وجاءت الحرب في غزة وامتداداتها الإقليمية لتوجه صفعة لسياسة فرنسا في الشرق الأوسط.
أسهمت هاتان الحربان في زعزعة محور برلين – باريس الذي استند اليه الرئيس الفرنسي لتمرير سياسته داخل الاتحاد الاوروبي.
اخرجت النزاعات في افريقيا فرنسا من منطقة الساحل وتنامت مشاعر العداء الشعبي لها محملة إياها مسؤولية فشل مهمات السلام والماسي الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية في هذه المنطقة .
فشل الرئيس الفرنسي في طرح نفسه وسيطا بين روسيا واكرانيا ولم ينجح بإبعاد فلاديمير بوتين عن المنافسة على مقعد القطب الدولي الثاني بينما تعمل الصين على فرض نفسها في هذا الموقع مستندة الى المشاريع الاقتصادية العابرة للقارات والى الدبلوماسية الهادئة التي تعتمدها في نزع فتائل الازمات .
لم تعد فرنسا التي أراد ماكرون ان يعيدها الى الساحة الخارجية قاطرة الاتحاد الأوروبي وحاجة اقتصادية وامنية لإفريقيا ولا صديقة تاريخية للعرب وفقدت الثقة بدور دبلوماسيتها في التقريب بين الشعوب .
في ظل هذه المتغيرات ، يبدو أن السياسة الخارجية الفرنسية لن تكون قادرة على تعزيز التمايز عن السياسة الأمريكية، إذ سيدفع بها صعود الخطر الروسي إلى المزيد من تنسيق المواقف مع واشنطن كما ستقلل الحرب في غزة من هامش حركتها في الملفات الخارجية في الشرق الأوسط ، ولن يعود لها حضور في افريقيا.
الان يمكن القول ان ماكرون لم يحقق الطموح الذي عبر عنه في حملته الانتخابية لولايته الأولى في العام 2017 بلعب دور ريادي على الساحة الخارجية
فهل سيحظى بفرصة جديدة قبل نهاية لايته الثانية والأخيرة ؟