شهدت تونس خلال الأسابيع الماضية نقاشا حادا حول مشروع قانون زجر التطبيع مع إسرائيل الذي قدمه بعض النواب في المجلس النيابي وذلك في غمرة التفاعل التونسي مع الأحداث في غزة. وقد ساد الاعتقاد في البداية أن هذا القانون سوف يحصل دون عناء على أغلبية الأصوات خاصة في ظل تناغم المقترح مع موقف الرئيس قيس سعيد الذي يعتبر التطبيع خيانة. غير أن تطور الأحداث كان على عكس ذلك وأُقر تأجيل مواصلة النظر في مشروع القانون في ظل اتهام رئاسة الجمهورية بالضغط من أجل سحبه.
وللتذكير، فإن موضوع مناهضة التطبيع قديم متجدد في تونس. فقد تمت إثارته بعد الثورة عند كتابة الدستور الجديد وتمسكت التوجهات السياسية العروبية واليسارية بدسترته. لكن الفكرة لم تلق التجاوب بسبب معارضة واسعة لإقحام دستور البلاد في مواقف سياسية تُحدد في الخارج. منذ ذلك الوقت، اكتفت الأطراف السياسية الراديكالية بمقترح وضع قانون لمناهضة التطبيع وقد رأت في الأحداث الأخيرة في غزة وكذلك في انفراد قيس سعيد بالقرار السياسي في تونس فرصة لتمريره.
غير أن ما لم يكن منتظرا هو أن مواقف الرئيس قيس سعيد وحكومته ورئيس البرلمان لم تكن واضحة. فقبل أيام من معالجة مشروع القانون في الجلسة العامة للبرلمان، صرح وزير الخارجية التونسي، نبيل عمار، بأن مسألة التطبيع هي موقف سياسي رسمي ولا تحتاج إلى قانون قد يضر بمصالح تونس الخارجية. أما النقطة التي أدخلت نوعا من الاضطراب في علاقة مجلس نواب الشعب برئاسة الجمهورية فكانت كلمة رئيس هذا المجلس في الثاني من الشهر الجاري وقال فيها بأن الرئيس قيس سعيد أبلغني بعدم جدوى تمرير قانون زجر التطبيع مع إسرائيل لأن مثل هذا القانون قد يدفع بالبلاد إلى المجهول. لكن في اليوم الموالي توجه الرئيس قيس سعيد بكلمة للشعب لم يؤكد ولم ينف فيها ما ورد على لسان رئيس مجلس النواب. وبالرغم من أن المجلس أصر على مناقشة مشروع القانون وصوت بالأغلبية على فصلين منه، إلا أنه تمّ تأجيل متابعة الجلسة لوقت لاحق غير معلوم.
من الواضح إذن أن هناك نوعا من التخبط على مستوى مؤسسات الدولة التونسية حول هذا الموضوع. وربما يعود ذلك إلى بعض المزايدة الخطابية التي عبرت عنها رئاسة الجمهورية وكذلك الأحزاب القومية التي تسانده. كما وجد البرلمان التونسي نفسه في ورطة قانونية بسبب مصير الفصلين اللذين تم التصويت عليهما في الجلسة العامة.