هل تعطش مصر "أم الدنيا" ؟ هل ان مصر "هبة النيل" كما وصفها هيرودوت ستدفع ثمن السد الاثيوبي " سد النهضة الكبير" وندرة مياهها؟ تبدو هذه الأسئلة مشروعة بعد فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات، ومخاطر ازدياد العجز المائي في مصر.
وكانت جولة مفاوضات سد النهضة الثلاثية (مصر، السودان، إثيوبيا) ، التي استضافتها القاهرة أواخر اغسطس انتهت بشكل غامض، اذ اتضح ان وعد رئيس الوزراء الاثيوبي أبي احمد بالتفاوض المنتج عند اخر زيارة له الى مصر لم يسفر عنه أي جديد. وتبين ايضاً ان المسودة الاماراتية التي اقترحت شراكة في مياه النيل لم تلق تجاوباً نظراً لغياب الثقة بين الاطراف المعنية . وفي نفس السياق لم توافق القاهرة على اقتراح اديس ابابا بتخصيص حصة متفق عليها، مع تمسك مصر بالحصول على حصتها المقدرة بـ55.5 مليارات متر مكعب.
لوحظ غياب الاتحاد الافريقي عن جولة المفاوضات الاخيرة وفي الاجمال لم تلعب هذه المنظمة الاقليمية دورها المعهود ، بل اخذت موقفاً مجاملاً ومنحازاً لأديس ابابا حيث مقرها الرئيسي .
لا يمكن قانونياً تفسير الفشل المتكرر بالتعنت الاثيوبي لأنه يتوجب اثبات عدم توافر حسن النية بالبينة والدليل. والواضح ان اثيوبيا تتملص من توقيف اتفاق نهائي حول ملء السد والحصص وفقاً للاعلان المباديء في ٢٠١٥ .
ويمكن القول ان الدبلوماسية المصرية والاعلام المصري لم ينجحا في تجميع عناصر القوة لشرح الموقف المصري في مواجهة تفهم دولي للموقف الاثيوبي.
مع هذا المأزق يسود الارتباك لأن مصر تعتمد في مصادرها المائية على ٩٥٪ من النيل ولان مصر ليست دولة امطار وعيون وينابيع وليست دولة تحلية مياه البحرين المتوسط والاحمر . ولذلك تبلغ حصة كل مواطن حوالى 560 متر مكعب أي حوالى نصف خط الفقر المائى الذي يقدر بالف متر مكعب مياه للفرد. والادهى ثبات حصة مصر من الموارد المائية المتجددة منذ منتصف القرن الماضي مع تضاعف تعداد السكان اربعة اضعاف.
مصر هي من اكثر دول العالم المهددة بالفقر المائي. من ناحية الارقام : مصر لديها موارد مائية تقدر بحوالى 60 مليار متر مكعب سنويا معظمها من النيل واحتياجاتها الفعلية 114 مليار متر مكعب أي حوالى الضعف.
والموارد المصرية تخصص بنسبة ٧٥ ٪ منها للاسهام في استيفاء الاحتياجات الغذائية للشعب المصري عبر الانتاج الزراعي علما بان القطاع الزراعي يمثل مصدر الرزق لاكثر من 50% من السكان . ولذا تركز السلطات على الاستخدام الرشيد للمياه تفاديا لانعكاسات الندرة المائية على اكثر من صعيد.