مؤسسةُ برجُ بابلَ للثقافةِ تسعى منذ اعوامٍ للتعريفِ بالمعالمِ والمواقعِ الاثاريةِ في العراق، لذلك اطلقتْ حملةً اسمتها " المحافظةُ على التراثِ " حيث يقومُ اعضاءُ الحملةِ بزيارةِ احدِ المواقعِ الاثاريةِ كلَ يومِ جمعة لتعريفِ الناسِ به والدعوةِ للحفاظِ عليه. وكانت رحلةُ الفريقِ هذه المرة الى محافظةِ واسط جنوبي العراق .
ريبورتاج امل صقر في بغداد
على انغامِ الاغاني العراقيةِ المتنوعةِ انطلق فريقُ حملةِ (برج بابل) لحمايةِ التراث في ساعاتِ الصباحِ الاولى متوجهين الى محافظةِ واسطَ جنوبي العراق، لزيارةِ عددٍ من المعالم الاثارية هناك منها (هور الدلمج) والقصر النجمي وقبر الشاعر ابو الطيب المتنبي الذي كان اول محطة لنا بعد وصولنا ، بدت الصدمة واضحة على وجوه بعض اعضاء الفريق عند رؤية موقع القبر، ومنهم دكتورة اللغة العربية امينة الموسوي التي ترافق اعضاء الحملة للمرة الاولى والتي تحدثت لنا قائلة :
" دمعت عيناي عندما رأيت موقع القبر والاهمال الذي يعاني منه، هناك تقصير كبير، ومن المعيب على القائمين على ادارة هذا المكان ان يكون بهذا الشكل. هذا الرجل مجرد اسمه يبعث على الفخر، وقبره المهمل اذا ما تم الاعتناء به سيعتبر مكان سياحي يدر اموالا كبيرة للدولة لانه سيستقطب سياح باعداد كبيرة "
يصنفُ الشاعرُ ابو الطيب المتنبي كأحدِ اعظمِ الشعراءِ العربِ وقد بُنيَّ قبرُه في مدينةِ الكوت مركزِ محافظةِ واسط، وتحديدا في المكانِ الذي تشيرُ الدلائلُ التاريخيةُ أنه قُتِلَ فيه.
رئيسةُ الحملةِ والمديرُ التنفيذيُ لمؤسسةِ ( برجُ بابل) ذكرى سرسم تقول بأن حملتَهم ساهمتْ في انقاذِ بعضِ المواقعِ الاثاريةِ من الانهيارِ نتيجةً لاهمالِها منها قبةُ جامعِ الشيخ عمر السهروردي التي يمتدُ عمرُها الى نحوِ الف واربعمائة عامٍ وتضيف قائلة:
" لقد ساهمنا في حماية الكثير من البيوت التراثية ايضا من التهديم ، كما قمنا بالتعريف من خلال حملاتنا بالعديد من المواقع الاثرية التي بحثنا عنها بجهد حتى تمكنا من الوصول اليها ".
وتحدثنا سرسم حول المزيد من أهمية حملاتهم وماحققته من نجاحات حتى الان " بعدنا انطلقت الكثير من الحملات لتنظيم عدد من الزيارات السياحية، سابقا لم تكن موجودة، اذ نسمع اليوم بوجود جولات الى النواعير التي تعتبر رمزاً تراثيا لمناطق قديمة تقع على جانبي نهر الفرات في محافظة الأنبارغربي العراق، ويعود بناء بعضها الى آلاف السنين، وكانت تستخدم لنقل المياه الى القرى البعيدة عن النهر. كما تُنظم رحلات ايضا لمدن الجنوب وغيرها ."
وتضيف " لم نسمع بأن احد نظم سفرة سابقا الى محافظة واسط ، نحن اول من نقوم بذلك ، ونتمنى ان تكون مبادرة يقتدي بها الاخرين "
ما يميز حملة مؤسسة برج بابل انهم استخدموا طريقة مميزة لجذب انظار الناس لهم، وتتمثل باستخدامهم الدراجات الهوائية عند الذهاب الى مناطق اثارية في بغداد اومدن قريبة منها . كما انهم قاموا بتصميم زي خاص للحملة واختاروا اللون الوردي له وكتب عليه شعار الحملة "
كانتِ الوجهةُ الثانيةُ لنا هي (هورُ الدلمج) وهو بحيرةٌ كبيرةٌ تستقبلُ سنويا طائرَ الفلامنكو خلالَ رحلةِ هجرتِهِ ، ولكن الفريقَ فشلَ في الوصولِ اليه، لعدمِ قدرةِ الحافلةِ التي تقُلُهم التقدمَ بسببِ وعورةِ الطريق، حاول اعضاءُ الفريقِ الذهابَ سيرا على الاقدامِ وساروا بالفعلِ لساعتين متواصلتين قبل ان يُجبروا على التراجعِ بسببِ تحذيراتِ المزارعين باحتماليةِ ظهورِ ثعالبَ وافاعٍ اذا ما واصلوا السيروحل المساء، وانطلقتْ صافرةُ قائدِ الفريقِ تدعو الى العودةِ
احدٌ اعضاءِ فريقِ الحملةِ (عذراء مهدي) قالت انهم يسعون الى زيادةِ عددِ اعضاءِ الحملة ِللتمكنِ من تعريف الناس بجميعِ المعالمِ الاثاريةِ في العراقِ واكملت حديثها معنا قائلة:
" الكثير من المناطق التي ذهبنا اليها اصلا لم نسمع عنها سابقا ولم نقرأعنها لانها غير موجودة حتى على محرك البحث جوجل ، مثل الكنيسة التي تقع في محافظة كربلاء جنوب العاصمة بغداد ، وكذلك كهوف الانسان القديم في كربلاء ايضا لم اكن اعرف عنها شيء وعرفتها من خلال حملة برج بابل " .
الكنيسة التي تحدثت عنها عذراء هي (الاقيصر)، وتعتبرمن اقدم الآثار المسيحية في العراق، اذ يرجع تاريخ بناءها إلى القرن الخامس الميلادي اي ان عمرها يمتد الى اكثر من الف وخمسمائة عام، و تتميز بوجود كتابات آرامية على جدرانها إضافة إلى المذبح الذي يتجه نحو مدينة القدس عاصمة فلسطين.
اما كهوف الأنسان القديم فهي ( الطار) ويمتد عمرها الى أكثر من 4 آلاف سنة قبل الميلاد، ويصل عددها الى 400 كهف نحتت من قبل الانسان أي انها ليست طبيعية، وفقا للباحثين.
توجهت الى الناسِ في الشارعِ وسألتُ العديدَ منهم هل تعرفُ اين يقع قبرُ المتنبي فكان الجوابُ في شارعِ المتنبي في بغدادَ. اما (هور الدلمج) فلم يسمعْ به احدٌ من قبل.
انتهت الرحلةُ وعدنا الى بغداد بعد انقضاءِ منتصفِ الليل، وكان حديثُ اعضاءِ فريقِ الحملةِ يدورُ حولَ العودةِ مجددا الى واسطَ من اجلِ اكتشافِ المعالمِ الاثاريةِ التي لم يتمكنوا من زيارتِها هذه المرة .