إن أمنية كل إنسان في هذه الحياة أن يكون محبوبًا ممن حوله، غير منبوذ ولا مبغوض، ولا طريق لذلك أوثق ولا أتم ولا أسرع ولا أدوم من أن يتحبب العبد لربه -سبحانه وتعالى- فإذا أحبه الودود -عز وجل- حبب فيه أهل السماء وأهل الأرض، مصداق ذلك ما رواه أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله -تبارك وتعالى- إذا أحب عبدًا نادى جبريل: إن الله قد أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض" (متفق عليه).
وإنك -أيها المسلم- لن تجد عنتًا ولا صعوبة في أن يحبك الله؛ والسبب: أن الله هو الودود، وكفى.
أيها المسلمون: إن الود هو خالص الحب وألطفه، والله -تعالى- هو الودود، فالود اسمه -تعالى- وفعله، والودود فعول بمعنى فاعل، فيكون معناه: الذي يود أهل طاعته ويحب الخير لجميع الخلق فيحسن إليهم ويثني عليهم ويتقرب إليهم بنصره ومعونته، فهو -تعالى- الـمُحِبُ لأنبيائه ورسله وأوليائه، المغدق عليهم من رحمته ومغفرته، القابل لتوبتهم، والمتقبل منهم أعمالهم الصالحة، والذي يرضى عنهم ويحبِّبهم إلى خلقه، فذلك قول الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم:96].
ووده -تعالى- بإرادته الخير والإحسان إلى عباده، منزَّه عن ميل المودة ورقتها، فإن المودة لا تراد في حق من يُوَد إلا لثمرتها لا للرقة والميل، وهذا هو المتصور في حق الله -سبحانه وتعالى- دون ما يقارنها عند البشر من رقة وميل.
أما المعنى الثاني لاسم الله الودود: فهو فعول بمعنى مفعول، فيكون معناه: المودود لكثرة إحسانه، المستحق لأن يوده خلقه فيعبدوه ويحمدوه، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة:165]، فهو -عز وجل- المحبوب من عباده الصالحين؛ لما عرفوا من كماله وجماله وجلاله وعظيم إحسانه وسابغ نعمه وأفضاله... قد امتلأت قلوبهم من محبته، ولهجت ألسنتهم بشكره والثناء عليه...
والمعنى الثالث لاسم الله الودود: فهو الذي يزرع الود في القلوب ويؤلف بينها، ويصل المتقاطعين ويصلح بين المتخاصمين، ولا يقدر على ذلك إلا الله، قال -جلا وعلا-: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال:63].
وزرع -تبارك وتعالى- المودة بين الزوجين: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم:21].
وألف بين قلوب الأوس والخزرج بعد عداوة وحروب دامت بينهم مائة وعشرين سنة، قال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103].