كنت أجلس مع جدّ وجدّة في السبعينات من عمريهما، وبدأنا نتحدث عمّا يحدث في العالم، وبالطبع مررنا على أخبار السياسة المؤلمة.
قال الجدّ المتقاعد، البالغ من العمر 75 عامًا، والذي يقضي يومه بين عزف البيانو وتعلّم اللغة الإسبانية:
"عندما أشاهد هذه الأخبار، أتمنّى أن أنعزل في الغابة، بعيدًا عن التلفاز والهاتف وكلّ ما يذكّرني بهذا الألم"؟
فهمت قصده تماما، فهو إنسان حساس لا يتحمّل هذه المواضيع، ومعه حق في رغبته في الانعزال، هو في عمر يحتاج فيه لأن يقضي ما تبقّى في سلام مع نفسه ومع الطبيعة.
كلماته أعادت إلى ذهني ظاهرة يابانية قديمة حيث تتحوّل العزلة من هروب إلى فلسفة حياة. هناك ظاهرة حقيقية وثقافية في اليابان، وهي فكرة الانعزال التام عن المجتمع (hikikomori) أو (satori hermits) الظاهرة مستوحاة من أسطورة يابانية قديمة تُسمّى "أوباسوتي".
في اليابان القديمة كانت هناك عادة (أو أسطورة) تقول إن بعض العائلات الفقيرة في أوقات المجاعة كانت تحمل أمّها العجوز إلى الجبل وتتركها هناك لتلقى مصيرها، لأنهم لا يستطيعون إطعام الجميع.
لكن في بعض الحكايات يُقال إن إحداهن رفضت الموت، فبنت لنفسها مأوى صغيرًا في الغابة وعاشت وحدها سنوات طويلة، تتغذّى على ما تجده من الطبيعة، وأصبحت رمزًا للصبر والقوة والتصالح مع العزلة.
هذه القصة تحوّلت عبر الزمن إلى رمز ثقافيّ في اليابان عن "المرأة التي تعيش وحدها في الغابة".
في اليابان الحديثة هناك نساء (ورجال) يعيشون فعلًا في عزلة تامة بسبب الضغط الاجتماعي، أو الوحدة، أو البحث عن السلام الداخليّ.
لا أعتقد أنني أستطيع أن أنعزل عن البشر، لأنني في الحقيقة أحبّهم رغم كلّ شيء.
ولكنني أحيانًا أتخيّل مجتمعًا صغيرًا من البشر الذين يحبّون الفنّ والحياة والتعلّم، ولا يصلهم شيء عن الحروب والدمار.
لا أعرف. هل هذه أنانية؟ أم أنها ببساطة حقّ لكلّ إنسان تعب من الضجيج، وأشتاق إلى السلام الداخليّ؟