يهدف هذا الكتاب إلى تقديم فهم شامل للاكتئاب وأساليب معالجته المتكاملة. بدأ التفكير في كتابته نظراً لأن الاكتئاب يعتبر من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً بعد القلق، ويدفع الكثيرين في العالم العربي لطلب المساعدة، كما أن الدراسات أثبتت أنه ليس ظاهرة مقتصرة على الغرب، بل ينتشر بنسب متقاربة عالمياً ويتزايد انتشاره بين الأجيال الأصغر سناً. يسعى الكتاب لسد النقص في المكتبة العربية بتقديم معالجة متكاملة تتجاوز التشخيص والعلاج التقليدي، وتركز على الناس العاديين وليس فقط المرضى السريريين. ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب رئيسية:
الباب الأول: حقائق ومفهوم الاكتئاب (الفصول 1-4) يقدم حقائق عامة عن الاكتئاب وتأثيراته على الفرد والحياة الاجتماعية والصحية، وسبل التعرف عليه. يوضح أن الاكتئاب قد يرتدي أشكالاً وأنواعاً متعددة، من الاستجابة العادية للحزن إلى الاكتئاب العصابي والذهاني والموسمي. كما يسلط الضوء على أعراضه المتنوعة، والتي تشمل الجوانب المادية (العضوية)، والمعنوية (الذهنية والمزاجية)، والاجتماعية، مثل الشعور بتثاقل الأعباء، الشكاوى الجسدية، وتوتر العلاقات الاجتماعية، والإدراك السلبي للبيئة والتفكير الانهزامي. يستعرض الكتاب أمثلة من الأدب والتاريخ لشخصيات عانت من الاكتئاب، مثل هاملت والعقاد وقيس وليلى ومي زيادة ونجيب محفوظ (في رواية "الشحاذ")، لبيان عمق انتشار هذا الاضطراب عبر الثقافات والعصور.
الباب الثاني: نظريات وتفسيرات الاكتئاب (الفصول 5-10) يشرح التفسيرات والأسباب المختلفة للاكتئاب وفقاً للنظريات العلمية. يغطي العوامل البيولوجية (الوراثة، الجهاز العصبي، التغيرات الكيميائية الحيوية)، والتعلم الاجتماعي واكتساب اليأس (مثل نظرية "سيليجمان" في اليأس المكتسب). كما يتناول الضغوط النفسية وأحداث الحياة كعوامل مساهمة رئيسية في تفجير النوبة الاكتئابية، مثل الطلاق، الوفاة، الخسائر المادية، والحروب. ويركز بشكل خاص على أساليب التفكير الخاطئة التي تصنع الاكتئاب، مثل التهويل والتهوين، التعميم، التفكير بنمط "الكل أو لا شيء"، التفسير السلبي لما هو إيجابي، والقفز إلى الاستنتاجات.
الباب الثالث: آفاق ومحاور العلاج (الفصول 11-18) يركز على التيارات المعاصرة في العلاج النفسي السلوكي للاكتئاب. يقدم هذا الجزء برامج علاجية متكاملة تهدف إلى معالجة الاكتئاب من جوانبه المتعددة. من أبرز محاوره:
معالجة الضغوط والتعايش مع أحداث الحياة: بتسجيل الضغوط ومعالجتها أولاً بأول، والتخفف منها بدلاً من محاولة التخلص التام، وتحقيق التوازن بين الاحتياجات الشخصية ومتطلبات الآخرين، وتعلم رفض الطلبات غير المعقولة، ومعالجة الصراعات.
محاور علاج السلوك الاكتئابي: يشرح كيف أن الاكتئاب ليس غريزياً بل سلوك مكتسب نتيجة لعمليات تعلم خاطئة، وأن العلاج يركز على تعديل الأنماط السلوكية الملحوظة وغير الملحوظة.
تعديل السلوك الاكتئابي وأساليب اكتساب الأمل: من خلال زيادة معدل النشاطات الإيجابية والتعرض للتحديات بشكل محصن.
تدريب الثقة وتأكيد حرية التعبير عن المشاعر: للتغلب على صعوبات التفاعل الاجتماعي والعجز عن التعبير عن الذات.
مباهج مشروعة ونشاطات سارة: لزيادة مستوى السعادة والرضا، وتشمل أنشطة اجتماعية وشخصية وأفعال مضادة للاكتئاب.
معالجة أخطاء التفكير وتعديل أساليب التفسير: عبر تحديد الأفكار غير العقلانية وتفنيدها واستبدالها بأفكار أكثر صحة ومنطقية، وتنمية القدرة على حل المشكلات، وتعديل أهمية بعض الأهداف، وتغيير البيئة الاجتماعية.
يؤكد الكتاب على أن الاكتئاب هو حصيلة تفاعل بين عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية وبيئية، وأن العلاج الناجح يتطلب مقاربة متعددة المحاور. كما يشجع على المعالجة الذاتية وتقديم أمثلة واقعية وفنيات تطبيقية تساعد القارئ على فهم وتطبيق الأساليب العلاجية الحديثة.