كشف السجال المتلفز، مساء الخميس الماضي، بين رئيس الحكومة الفرنسية غبريال أتال ورئيس حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا عن أهمية البعد الداخلي في الانتخابات الأوروبية، اذ سيشكل هذا الاستحقاق المرآة التي تكشف توزع القوى في المشهد السياسي، خاصة بعد تداعي الثنائية التقليدية منذ ٢٠١٧ وصعود القوى المتشددة يميناً ويساراً .
والملاحظ انه مع الوقت ومنذ اول انتخابات أوروبية في ١٩٧٩، يزداد الاهتمام بهذا الموعد والأرجح ان تزيد نسبة الإقبال على التصويت. واللافت انه بالرغم من صعود المتطرفين، إلا أن الانقسام لم يعد حول البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي او حول الترويج للخروج منه (الفريكست على غرار البريكست)، بل اصبح حول رؤى متناقضة ومتباعدة للبناء الأوروبي.
وللدلالة على ذلك كشف استطلاع للرأي قبل أقل من ثلاثة أسابيع من الانتخابات الأوروبية، التاسع من الشهر القادم، عن علاقة متناقضة بين الفرنسيين اتجاه الإتحاد الأوروبي، والتي تتسم بدعم المشروع الأوروبي وانعدام الثقة الشديد تجاه تنفيذه الحالي.
من المبكر معرفة انعكاسات سجال أتال - براديلا على احتمالات التصويت، خاصة أنّ رئيس الوزراء أراد ان يهبّ لنجدة اللائحة الماكرونية التي تعاني للحفاظ على الترتيب الثاني، بينما أراد زعيم حزب اليمين المتطرف الدفاع عن ألوان تياره والحفاظ على صدارة الاستحقاق.
وفي آخر موجة من الاستطلاعات يبدو ميزان القوى الفرنسي وفق التسلسل التالي: لائحة حزب التجمع الوطني الاولى بنسبة ٣٠-٣٢ ٪ ؛ لائحة حزب النهضة ( ماكرون) برئاسة فاليري هاير بنسبة ١٥- ١٦ ٪ ؛ لائحة الحزب الاشتراكي وحلفائه برئاسة باتريك غلوسمان بنسبة ١٤٪.
وعلى ما يبدو سيشتد التنافس بين لائحة اليسار الراديكالي ( حركة فرنسا الابية- ميلونشون) برئاسة مانون أوبري ولائحة اليمين التقليدي ( حزب الجمهوريين) برئاسة جان فرنسوا بيلامي ولائحة اليمين المتطرف الثانية ( الاستعادة - أريك زمور) برئاسة ماريون مارشال على المركز الثالث ( ٧ - ١٠ ٪). أما حزب الخضر فيسجل تراجعاً كبيراً ويكاد يحصد نسبة ٥ ٪ الضرورية لاختيار حصة من النواب الفرنسيين ( ٨١ نائباً ممثلاً لفرنسا من أصل ٧٥١ نائباً أوروبياً )
إذا صادق الفرنسيون على ميزان القوى المذكور أعلاه، يمثل ذلك انقلاباً في المشهد السياسي الفرنسي. واذا صمد هذا الميزان حتى الانتخابات الرئاسية القادمة في ٢٠٢٧ لربما يغير وجه فرنسا إذ انّ وصول اليمين المتطرف بفرعيه لتحقيق حوالي ٤٠ ٪ يمثل لوحده تحولاً كبيراً، وأن التعددية الحالية لن تكون ايجابية لفرز أكثريات تحكم وربما يقود ذلك نحو أزمة بنيوية لنظام الجمهورية الخامسة.