قنبلة قانون الهجرة في فرنسا
بعد مشاورات عسيرة وتجاذبات سياسية عديدة، تبنى البرلمان الفرنسي يوم الثلاثاء الماضي قانون الهجرة المثير للجدل. فقد صاحب إعداد هذا القانون اهتزازات عديدة كادت تطيح بوزير الداخلية جيرار دارمانا وتهدد الكتلة البرلمانية للرئيس إيمانويل ماكرون. غير أن تبني البرلمان للقانون لم ينه المشكل. بل يرى عديد المحللين أن تصدع القاعدة البرلمانية للرئاسة الفرنسية سوف يتواصل وقد يعصف حتى بالحكومة.
ما يلام على الرئيس الفرنسي ماكرون أنه استلهم بعض النقاط الأساسية للقانون من برنامج اليمين المتطرف لحزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان. وربما من أهم هذه النقاط مبدأ "الأفضلية الوطنية" التي تعطي الأولوية في بعض خدمات الدولة للفرنسيين على حساب المهاجرين. ولم تفوّت زعيمة اليمين المتطرف الفرصة لتعلن بعد تبني القانون بأن حزبها حقق نصرا سياسيا كبيرا وبأنه من الآن لا يمكن للرئيس ماكرون أن يتهم حزبها بالغلو. كما تبنى القانون نقاطا أخرى مثل عدم منح الجنسية الفرنسية بشكل آلي لأبناء المهاجرين. فقد أصبح ذلك رهين تقديم طلب بين سني السادسة عشر والثامنة عشر. كما اتجه القانون الجديد إلى تشديد شروط حصول الأجانب على المساعدات الاجتماعية مثل منحة السكن أو الحصول على سكن اجتماعي.
في المقابل، حاول القانون تعزيز بعض الضمانات للمهاجرين وخاصة للقصر منهم، مثل منع وضعهم في مراكز خاصة قبل الطرد. كما فتح القانون للمهاجرين المقيمين بفرنسا بطريقة غير شرعية حق الحصول على بطاقة إقامة إذا كانوا يشتغلون في المهن التي تواجه مصاعب في إيجاد اليد العاملة.
لكن رغم هذه الإجراءات لصالح المهاجرين، فقد كان وقع الصدمة كبيرا حتى على النواب من حزب الرئيس ماكرون. حيث رفض عديد منهم التصويت على القانون، كما قدم وزير الصحة أوريليان روسو استقالته في تعبير عن معارضته لتوجه الرئيس الذي دفع نواب الأغلبية نحو تبني القانون. ويعتبر هؤلاء أن ماكرون ابتعد عن الخط اللبرالي الوسطي الذي تأسس عليه حزبه وأصبح أكثر قربا ليس من اليمين التقليدي فقط بل من اليمين المتطرف. إذ يبدو أن الرئيس الفرنسي نسي ما قاله مباشرة بعد انتخابه لعهدة رئاسية ثانية حين خاطب ناخبيه من الأصول المهاجرة قائلا لهم بأنه يعلم أنهم صوتوا له خوفا من مارين لوبان.
يأتي هذا التوتر داخل الشق "الماكروني" بعد توتر آخر صاحب موقف الرئيس الفرنسي من أحداث غزة. حيث رأى فيه العديد من الدبلوماسيين الفرنسيين ابتعادا عن المواقف الفرنسية التقليدية المعتدلة في علاقتها بالعرب وبالقضية الفلسطينية. لذلك لن تكون السنوات المقبلة سهلة لماكرون وقد تهدد مستقبل حزبه.