في حلقة هذا الأسبوع يتناول الزميل عبدالإله الصالحي دراستين مترجمتين للباحث المغربي في الأنثربولوجيا الثقافية فريد الزاهي.
في حلقة هذا الأسبوع نتوقف عند دراستين مهمتين للباحث الأنثروبولوجي الفرنسي دافيد روبرتو، ترجمها الناقد الفني المغربي والباحث في الأنثروبولوجيا الثقافية فريد الزاهي. ويتعلق الأمر بكتاب "أنثروبولوجيا العواطف، الوجود عاطفيا في العالم" وكتاب "أنثروبولوجيا الوجوه" الصادرين عن المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء.
بداية سألنا فريد الزاهي عن "أنثروبولوجيا الوجوه" وعن مدى الإضافة التي قدمها هذا الباحث الفرنسي المتألق في هذه الدراسة وفي هذا الموضوع المهمل في الدراسات الأنثروبولوجية الحديثة فرنسيا وعالميا.
تعتبر هذه الترجمة في الحقيقة تتويجا لعدد من الترجمات، وتعني العالم والصمت والعواطف وغير ذلك، وهي في الحقيقة تأتي لتكمل في نظر القارئ العربي مشروع تفكيك البروتون الأنثروبولوجي الذي يتناول فيه الجسد في مختلف مظاهره وتحولاته وسلوكياته اليومية. إنها أنثروبولوجيا المحسوس لتلك الأمور التي لا يهتم بها القارئ العربي الذي دأب على قراءة كتب العقلي والشغل وكل القضايا الطاهرة التي تعتبر بالنسبة إليه قضايا موضوعية. كتاب الوجوه هو كتاب يتناول علاقة الإنسان بوجه في اليومي، في الحميمية، في كل المظاهر التي نغفل عنها لأننا نعيشها بأجسادنا، وكأن أجسادنا التي نعيش بها لا يمكن أن تكون موضوعا للتفسير والتحليل والفهم والإدراك والتأويل. لهذا نحن اخترت هذا الكتاب من ضمن مجموعة من المؤلفات الأساسية لدى دافيد، فذلك لكي ينتبه القارئ العربي إلى أن علاقته بوجهه هي علاقة صه بهويته، فالوجه هو الهوية، وبالتالي فإن تحليله وإدراكه علاقة الإنسان بوجهه وإدراك علاقته بحواسه أيضا، وفي الشأن نفسه علاقته به، تحولاته التي تطرأ من الولادة إلى الشيخوخة. هذا الكتاب هو إضافة نوعية مهمة جدا تجعل القارئ العربي يتواصل مع أحد العناصر الهامة في كيانه الجسماني، وفي حياته اليومية، وفي علاقته بالزمن والمكان والمرض، وفي قضايا أخرى.
فريد الزاهي قبل أثر بيولوجيا الوجوه ترجمته أيضا دراسة ربما قد تكون من أهم ما كتبه البرتو في مغامرته الأنثروبولوجية بعنوان أنثروبولوجيا العواطف وفيها فصل عميق طريف عن القبلة. ماذا عن هذه الدراسة؟.
كتاب "أنثروبولوجيا العواطف" والذي يمكن أن يعتبره القارئ أحد أهم المؤلفات التي أنجزها لوبرتون بعد "أنثروبولوجيا الجسد" فإذا كان "أنثروبولوجيا الجسد" كتابا أكثر أهمية ومدخلا لفهم وإدراك جسدنا في الحياة اليومية وفي العلاقات الاجتماعية والتواصلية واللغوية، فإن كتاب "أنثروبولوجيا العواطف" هو كتاب يتناول مجمل الحركات التي يعيشها الإنسان في حياته اليومية، ما يسمى بلباسه، أي الأهواء والعواطف، وبالتالي كل تلك الأمور التي تشتغل في ذاته بالعلاقة مع العالم بالعلاقة مع الأخرين. وفصل القبلة هو فصل طريف لأنه بشكل ما تاريخ للطريقة التي بها يتعامل الإنسان مع الأخر في علاقة الحب والشهوة والرغبة وغير ذلك. هذا الكتاب في الحقيقة مؤسس. لماذا؟ لأنه لأول مرة يخرج الأهواء والعواطف من مجال الفلسفة إلى مجال اليومي إلى مجال العلاقة الحسية المباشرة للإنسان بكيانه وفي الأخرين. إنه كتاب مرجعي. وأنا أعتبر أن مجموعة من الترجمات التي قمت بها هي ترجمات مرجعية. يعني أنها تؤسس لدى القارئ العربي سواء كان طالبا أو باحثا أو مجرد قارئ عادي نظرة شمولية أعمق تخرجه من مجال القراءات العادية أو القراءات الفكرية المحضة.
نشرت إذن فريد الزاهي العديد من الدراسات للباحث دافيد موبوتو، ويبدو أنك مهتم كثيرا بإنتاجه المعرفي وتربطني به صداقة شخصية وطيدة. لماذا في نظرك؟ تلقى دراسات وكتب البروتون نجاحا كبيرا على المستويين الأكاديمي والشعبي، وحتى مبيعات كتبه مرتفعة بالمقارنة مع زملائه في ميدان الأنثروبولوجيا الثقافية؟
كتبات دافيد لوبروتون تأتي في سياق مجموعة من التحاليل والدراسات كدراسة دراسات سيجموند بامتان عن كل ما هو سائد في الحضارة الحديثة، إلا أن كتابات لوبروتون لا تطلق أحكاما بقدر ما تحلل. وحتى حين يطلق أحكاما عن علاقة الإنسان بالتفاهة وبالسهولة فهو يطلقها من باب التحليل والتأويل والبحث عن المعنى، معنى علاقة الإنسان بالعالم. اهتممت بدافيد لوبروتون باعتبار دراساتي الأولى عن الجسد في بداية التسعينيات التي كانت في اللغة العربية كانت دراسة ممهدة وأولية، وفتحت شهية وعين القارئ العربي والدارس العربي على علاقة الجسد والصورة إلى غير ذلك. وفي هذا السياق ربطتني به علاقة صداقة جعلتني مترجمه الرسمي، ولكن قبل ذلك استضفته في المغرب لأول مرة، وحاضر في الجامعة وصار مرجعا وبات القراء يتهافتون عليه وينتظرون ما أترجمه له أنا وما يترجمه له الأخرون. دراسة لوبروتون في الحقيقة هي دراسة تمكن القارئ العربي من أن يستكشف نفسه وأن يستكشف علاقته الدلالية بالوجود وباليوم وفي الآخرين. في هذا السياق يمكن القول إنه كتب يفتح أعيننا على نفسنا وعلى جسدنا وعلى عواطفنا وعلى صمتنا وعلى ألمنا وعلى كل الأشياء التافهة بين قوسين التي نعيشها من دون أن ننتبه لها.
لفريد الزاهي المنحدر من سلالة الكاتب والباحث المغربي الراحل عبد الكبير خطيبي رؤية فكرية وجمالية متكاملة ومتجانسة سواء تعلق الأمر بالترجمات التي ينتقيها بعناية مثل ترجمات دراسات دافيد لوبروتون وترجمات أخرى منها "علم النص" لجوليا كريستيفا و"الصورة وموتها" لريجيس دوبريه و"السحر والدين في افريقيا الشمالية" لـ إدمون دوطي. أو بالدراسات والأبحاث التي نشرها ومنها "الحكاية والمتخيل" و"الجسد والصورة والمقدس في الإسلام" و"العين والمرآة".
وكلُّ كتابٍ وأنتم بخير...