وإن لله -تعالى- حِكَمَا فيما يجريه من أحوال الخلق، فما يقضي سبحانه من أمر إلا لحكمة، وإيماننا بأن الله حكيم يجعلنا نوقن بأن له الحكمةَ البالغة في أقداره وقضائه، إما في الحال أو في المآل، ولربما كره البعض بعض القدر، وتتجلى الأمور ويعلم حينها أن ما قدّره الله هو الخير، قال الله -تعالى-:(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216]؛ فإنه –سبحانه- مَن يدري؟ فلعل وراء المكروه خيرا، ووراء المحبوب شرا، والعليم بالغايات البعيدة، المطلع على العواقب المستورة هو الذي يعلم وحده؛ ولأجل هذا فقد كان الأنبياء والصالحون يسلّمون لله في قضائه لعلمه بحكمته، ويتذكرون عند الملمّات اسم الحكيم، أولم يقل يعقوب حين علم بحجز ابنه الثاني: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف:83].
قال ابن القيم: "فكم جنى أهل المعرفة بالله وأسمائه وصفاته ورسله من قصة يوسف من ثمرة، وكم استفادوا بها من علم وحكمة وتبصرة في حق يعقوب وحق يوسف وحق الإخوة وحق امرأة العزيز وحق أهل مصر وحق المؤمنين إلى يوم القيامة".